نظريات التعلم السلوكية
مفهوم النظرية السلوكية في علم النفس
النظرية السلوكية أطلق عليها نظرية المثير والاستجابة أو نظرية التعلم، حيث تم بناء النظرية وفقًا لوجود مثير واستجابة معًا مع التأكيد على فكرة عدم وجود الاستجابة إلا من خلال مثير، وتعرف النظرية عملية التعلم وتربطها بوجود مثير واستجابة وبينها ترابط متكامل جعل من المثير سبب في حدوث الاستجابة.
تهتم النظرية بالتركيز على السلوك البشري وتحديد إمكانيات تعلم العديد من السلوكيات وإمكانية تغيير هذه السلوكيات، ويرجع أصحاب النظرية السلوكية في علم النفس السلوك البشري لكونه مجموعة عادات يتعلمها الأفراد ويتم اكتسابها خلال مراحل النمو المتعددة.
كما ترى النظرية أن سلوكيات الأفراد ترتبط بالعوامل البيئية التي يحيا فيها الأفراد وتصرفاتهم المختلفة ما بين التصرفات السوية أو التصرفات الشاذة وجميعها سلوكيات تم تعلمها، وأسهمت النظرية السلوكية في وضع مفهوم حديث للتعلم أساسه التركيز على سلوك الشخص المتعلم، والظروف البيئية التي تحوط بعملية التعلم وتأثر فيها بشكل إيجابي أو سلبي.
ومع الاهتمام بالسلوك المتعلم أطلق على النظرية النظرية السلوكية في علم النفس حيث ذهبت إلى اعتبار السلوكيات الغير سوية أو الشاذة بجانب الأمراض النفسية المختلفة، هي مجرد استجابة تتكون لدى الأفراد من خلال التعايش مع تجارب خاطئة.
رواد النظرية السلوكية في علم النفس
النظرية السلوكية في علم النفس مرت بالعديد من التطورات حيث لعب الإرشاد السلوكي دور هام وخاصة في منتصف القرن العشرين، وبدأ يتطور من خلال مجموعة من علماء النفس واشهر أصحاب هذه النظريات إيفان بافلوف.
في عام 1912 كان الظهور الأول للمدرسة السلوكية بالولايات المتحدة الأمريكية وكان واطسون جون برودس أبرز مؤسسي المدرسة السلوكية حيث تمركزت نظريته حول تعريف السلوك وفقًا لعلاقته وترابطه مع علم النفس.
كما اعتمد في صياغة نظريته على القياس التجريبي وأطلق على النظرية مصطلح السلوكي حيث اعتمد في نظريته على السلوك الملاحظ.
كان واطسون من أشهر علماء النفس في الولايات المتحدة الامريكية وكان للعالم الروسي بافلوف تأثير كبير على أفكار واطسون التي مهدت لها وضع النظرية السلوكية في علم النفس .
أسس ومبادئ النظرية السلوكية
تتعدد أسس ومبادئ النظرية السلوكية وتشمل مجموعة من المبادئ العامة التي أرست لاعتبار النظرية من أهم النظريات التي جاءت في مجال التعلم، وهذه المبادئ هي:
تحديث السلوك: وخاصة السلوك الذي يصدر من المتعلم ووصفه والقيام بتحليله تمهيدًا لتجزئته إلى عدة عناصر فرعية تمثله.
توفير مثيرات العملية التعليمية: الحرص على توفير كافة المثيرات الخاصة بالعملية التعليمية بجانب المعلومات لتقديمها ضمن المحتوى التعليمي المقدم للمتعلم، بحيث يتمكن من تحصيلها للوصول للسلوك المراد، مع تجزئة هذه المعلومات إلي عدة وحدات ينفصل كل منها عن الآخر.
التدرج في صياغة مثيرات المحتوى: بحيث يتم ترتيب المثيرات السهل فالصعب ومن المثير البسيط إلى المثير المعقد.
التعزيز: توفير التعزيز الملائم للتمكن من تدعيم السلوك المراد.
تكرار السلوك: الحرص على تكرار السلوك بحيث يمكن تقوية الرابط بين المثير والاستجابة على اختلافهم.
الخبرات الماضية: التركيز على الخبرات الماضية وتأثيرها على التعلم دون الأخذ في الاعتبار الخبرات الحالية.
التركيز على الدافعية: سواء الدافعية الخارجية أو الدافعية الداخلية والرغبة في إشباع الحاجات للوصول إلى الرضا، ومن ثم الوصول إلى التعلم المراد.
تركز النظرية السلوكية في علم النفس على أن عملية التعلم هي مجرد تغير في سلوك الإنسان كنتيجة للخبرات والمعلومات التي توفر أمام الفرد،، وترتكز عملية تقويم التعلم على مدى القيام بالسلوك المراد وأدائه بالشكل المطلوب.
أهداف النظرية السلوكية
تتعدد الأهداف المرجوة من النظرية السلوكية في علم النفس والتي تتمثل في مجموعة من التطبيقات ومن أهمها:
تشكيل الاتجاهات الحسنة حيث يمكن إضافة مجموعة من الأنشطة المختلفة التي يفضلها الطلاب، أو أن يتم إدخال المواد التعليمية الشيقة بما يحقق تشكيل عادات حسنة مع الحرص على وجود التعزيز والدوافع المرتبطة بهذه التصرفات.
التخلص من العادات الشاذة وذلك عن طريق ربط هذه العادات بمثيرات كريهة.
تعزيز عدة جوانب في السلوك اللغوي حيث يمكن تعزيز اللفظ المنطوق بصورة له أو تضمين اللفظ بمعزز محبب مما ينمي السلوك اللغوي تجاه الأشياء ومسمياتها.
مفاهيم أساسية في النظرية السلوكية
ترتكز النظرية السلوكية على عدة مفاهيم رئيسية وهي على النحو التالي:
السلوك البشري متعلم:
يتعلم الأفراد كافة أنواع السلوكيات سواء السوية أو الشاذة، ويتم هذا التعلم بعد القيام بنشاط محدد ينتج عنه السلوك بالإضافة لإمكانية تعديل هذا السلوك أو تغييره عبر وسيلتي التعزيز والتدعيم.
وجود مثير واستجابة:
من أهم مفاهيم النظرية السلوكية هو اعتماد الاستجابة على مثير، فحال كانت المثيرات سوية كان السلوك سوي وحال كانت المثيرات شاذة كانت الاستجابة شاذة أيضًا، ووفقًا لهذا المفهوم فيجب الالتزام بالإرشاد التربوي لدراسة المثير والاستجابة وما يحوط بهم من عوامل نفسية واجتماعية وجسمانية وشخصية وعقلية.
الدافع:
يعتبر الدافع من أهم الشروط الأساسية لأي عملية تعلم ضمن النظرية السلوكية في علم النفس ولا توجد عملية تعلم بدون وجود دافع، وتعتمد قوة وفاعلية التعلم على قوة الدافع، وتتعدد أنواع هذه الدوافع فهناك الدافع الفطري وهو الدافع الذي يتكون لدى الفرد بيولوجيًا من خلال الوراثة.
الدافع الفطري لا يحتاج تعلم أو اكتساب من البيئة المحيطة، ومن أمثلة الدافع الفطري الحاجة إلى الأكل والعطش وحاجة الفرد إلى النوم.
أما الدوافع المكتسبة فهي التي يكتسبها الفرد عبر العديد من الخبرات الحياتية، والتي تربط بينه وبين البيئة المحيطة، ومدى تفاعله معها، ومثال على ذلك الرغبة في التدخين والخجل واحترام النفس.
التعزيز:
ويقوم هذا المبدأ الخاص بـ النظرية السلوكية في علم النفس على أن السلوك المتعلم حال تم تقديم الدعم والتعزيز والتقوية له فسيذهب المتعلم إلى تكرار السلوك نفسه، ففي حالة القيام بسلوك سوي وملاحظة الثناء على هذا السلوك فيرغب الفرد في تكرار نفس السلوك مرة أخرى.
انطفاء السلوك:
ويعد هذا المبدأ خلافًا لما جاء في مبدأ التعزيز، حيث يختفي السلوك المتعلم ويضعف حال لم يتم القيام به وبهذا يصبح الانطفاء هو وجود الإثارة دون تعزيز، وبذلك فإن الاستجابة تجاه المثير تضعف وتتلاشى إلى أن تنتهي حال لم يتم تدعيمها.
ففي حالة قيام شخص بسلوك غير سوي فيصبح التعامل الأمثل هو تجاهل مثل هذا السلوك ويفيد ذلك في تعديل السلوك وتغييره ومن ثم التوقف عن أداء هذا السلوك.
التعميم:
حيث يتم نقل أثر المثير إلى العديد من المثيرات المماثلة له حيث ينزع الشخص إلى تعميم الاستجابة المتعلمة التي قام بها على الاستجابات الأخرى التي تماثل هذه الاستجابة.
ومثال على ذلك حينما يمدح مدرس الفصل في سلوك أحد الطلاب فيميل الطالب إلى معاودة تكرار السلوك، بالإضافة للرغبة في تعميم السلوك هذا لباقي الطلاب وهكذا يتحقق مبدأ التعميم ضمن مبادئ النظرية السلوكية في علم النفس .
التقليد والمحاكاة:
يتم التعلم عبر متابعة السلوكيات والتعلم منها بعد مشاهدتها حيث يشرع الفرد في متابعة السلوكيات ويبدأ في تقليد هذه السلوكيات وتتم عملية التعلم هنا بالملاحظة.
الطفل في هذه الحالة يتعلم من خلال تقليد الأفراد الكبار المحيطين به أما الكبار فيشرعون في تقليد بعضهم، ويكون التقليد هنا قائم على الملاحظة والتي تعتمد على الانتباه للسلوك وحفظه واستعادة حركات تم أدائها.
إيجابيات النظرية السلوكية
تم التركيز على عدة نقاط تعد من النواحي الإيجابية التي حققتها النظرية السلوكية في علم النفس وأهم هذه النواحي الإيجابية:
من أهم الخصائص المميزة للنظرية السلوكية الشمولية مقارنة بالنظريات السابقة في علم النفس، يستهدف العلاج السلوكي المندرج في النظرية السلوكية تحديد السلوك السوي المرغوب فيه، ومن ثم وضع خطة العلاج وعليه تتم عملية تقييم النتائج.
اهتمت النظرية السلوكية في علم النفس بالتركيز على الأهداف العلاجية للتمكن من اختيار العلاج الأفضل والمتماشي مع طبيعة الحالة المرضية.
تستند النظرية السلوكية على أسس نظرية قوية بالإضافة لإمكانية الاعتماد على البحث العلمي لتحديد السلوك الشاذ وأسبابه وطرق مواجهة هذا السلوك.
يقوم العلاج السلوكي وفقًا للنظرية السلوكية على التركيز على السلوك الحالي للفرد ومشاكله الحالية دون إلقاء الضوء بشكل موسع على الأحداث والسلوكيات التي تمت في الماضي.
أولت النظرية السلوكية في علم النفس اهتمام بالغ بتقديم العلاج للسلوكيات التي تقبل القياس والملاحظة.
أثرت روح العمل الجماعي في فريق كامل ومترابط دون تجزئته.
حددت النظرية السلوكية المنظمة في كونها ليست وحدة اقتصادية فقط وإنما هي وحدة اجتماعية إضافة لوحدتها الاقتصادية.
النقد الموجه للنظرية السلوكية
هناك عدة انتقادات مثلت النواحي السلبية في النظرية السلوكية في علم النفس والتي يمكن حصرها في النقاط التالية:
من أشهر ما قاله واطسون ضمن النظرية السلوكية ” أعطوني عشرة أطفال أسوياء أصحاء التكوين فسأختار أحدهم عشوائيا وأصنع منه ما أريد طبيبًا، عاملًا، فنانًا، لصًا، أو متسوال، وذلك بغض النظر عن ميوله ومواهبه وسلالة أسالفه”.
ادعى واطسون في النظرية السلوكية قدرته على تشكيل الأفراد وفقًا لشخصيات متعددة دون الاخذ في الاعتبار ميول واتجاهات وفطرة هؤلاء الأفراد، وهذا بالفعل ما لم يتمكن منه علماء كبار في مجال دراسة السلوك.
أنكرت النظرية السلوكية في علم النفس دور الأفكار والمعتقدات والتي تعد من أهم عوامل توجيه السلوك، كما أنكرت النظرية فكرة القدرة الفطرية ودورها في تحديد وتوجيه السلوك فذهب أصحابها إلى أن الذكاء ما هو إلا عدة عادات معقدة تكتسب من الحياة.
أهملت النظرية السلوكية دور الضمير وقدرته على توجيه سلوكيات الأفراد.
أهملت النظرية ما يتم في الماضي من خبرات ينتج عنها سلوكيات، وركزت فقط على السلوك الحالي وعليه فتنتقد النظرية نظرًا لوجود تجارب ماضية لا تقدم لها علاجات مناسبة، مما يجعلها تنطوي في اللاوعي وعليه يصاب الأفراد بالعقد النفسية.
التركيز على السلوك فقط رغم أن الأنماط السلوكية قد لا تصدر عن قناعة أصحابها فقط.
النظرية السلوكية هي أحد أهم نظريات التعلم التي يمكن تطبيقها في الكثير من الحقول، والتي تأتي ثمارها بشكل ناجح من خلال الاعتماد على أساليب النظرية في تعديل السلوك الإنساني السلبي واستبداله بسلوكيات ايجابية مرغوبة .
تعليقات
إرسال تعليق