القائمة الرئيسية

الصفحات

نظرية الذكاءات المتعددة
الذكاءات المتعددة


في كثير من الدول الفقيرة والمتأخرة تعليميًا، نلاحظ ظاهرة  مقلقة: يتسرب عدد كبير من الطلاب من المدارس عند بلوغهم الصف السادس أو السابع، وغالبًا ما يُوصم هؤلاء الطلاب بأنهم "كسالى" أو "غير قادرين على التعلم". ولكن المفارقة العجيبة تكمن في أن كثيرًا من هؤلاء، بعد سنوات من التسرب، يتجهون لتعلُّم مهن كالميكانيك، والكهرباء، وصيانة المحركات، ويتقنونها بدرجة عالية من الحرفية والدقة، رغم ما تتطلبه من مهارات عقلية متقدمة وعمليات حسابية معقدة. فهل كنا نخطئ في تقييمهم؟


الخلل في النظام لا في الطالب


تشير العديد من النظريات والدراسات التربوية إلى أن المشكلة لا تكمن في قدرة هؤلاء الأطفال على التعلم، بل في الطريقة التي يُقدم بها التعلم داخل النظام المدرسي التقليدي. هذا النظام غالبًا ما يُقيّم الذكاء والنجاح من خلال إطار ضيق يركز على المهارات اللغوية والمنطقية الرياضية، ويهمل أشكالًا أخرى من الذكاء لا تقل أهمية.


نظرية الذكاءات المتعددة


اقترح عالم النفس هوارد غاردنر ما يعرف بـ نظرية الذكاءات المتعددة، والتي تنص على أن الذكاء ليس قدرة واحدة، بل يتضمن أنماطًا متعددة، منها:


الذكاء الحركي-الجسدي (المهم في الميكانيك والنجارة)


الذكاء المكاني (الهام في الأعمال الدقيقة)


الذكاء الموسيقي، والاجتماعي، والذاتي، وغيرها


وفق هذه النظرية، فإن النظام المدرسي الذي لا يعترف إلا بنمطين من الذكاء (اللغوي والمنطقي) يقوم تلقائيًا بتهميش قدرات واسعة لدى الطلاب، ما يؤدي إلى فشلهم داخل المدرسة، دون أن يعني ذلك أنهم غير أذكياء.


التعلم العملي والسياقي


دراسات أخرى في مجال التعلم السياقي (Contextual Learning) تؤكد أن بعض الأفراد يتعلمون بشكل أفضل عندما يكون التعلم مرتبطًا بتجارب واقعية. فالطالب الذي لا يستوعب المفاهيم الفيزيائية المجردة داخل الصف، قد يتمكن من تطبيقها بفعالية أثناء إصلاح محرك أو تصميم قطعة كهربائية. وهذا النوع من التعلم يُهمل كثيرًا في المدارس التقليدية التي تعتمد أسلوب التلقين.


الذكاء العملي مقابل الذكاء الأكاديمي


عالم النفس روبرت ستيرنبرغ فرّق بين ثلاثة أنواع من الذكاء، أحدها هو الذكاء العملي، الذي يظهر في حل المشكلات اليومية والتكيف مع الظروف الواقعية، وهو النوع الذي لا يظهر في اختبارات الذكاء المدرسية، لكنه يكون بارزًا في المهن اليدوية والتقنية. وهذا يفسر نجاح كثير من المتسربين من المدرسة في مجالاتهم المهنية، حيث وجدوا بيئة تُنمي هذا النوع من الذكاء وتقدّره.


التجارب الدولية


بعض الدول المتقدمة مثل ألمانيا تطبق نظام التعليم المزدوج، الذي يدمج التعليم المهني مع التعليم الأكاديمي، ويمنح الطلاب فرصة لاكتشاف قدراتهم في بيئات متنوعة. كما أن أبحاثًا من أمريكا اللاتينية وأفريقيا تُظهر أن تسرب الطلاب ليس سببه الكسل أو الغباء، بل عدم ارتباط المناهج الدراسية بواقعهم، ما يفقدهم الحافز ويضعف قدرتهم على الاستمرار.

خلاصة

الطلاب الذين يُقصَون من النظام المدرسي لا يفشلون بالضرورة لأنهم غير أذكياء، بل لأن النظام نفسه لا يستطيع اكتشاف نوع ذكائهم، ولا يوفّر بيئة تعليمية مناسبة لهم. ما نحتاجه هو إعادة التفكير في مفاهيم الذكاء والنجاح داخل المدارس، وتطوير مناهج تُعزز التعلُّم العملي، وتحتضن تنوّع القدرات البشرية، قبل أن نخسر طاقات كان يمكن أن تُصبح قوى منتجة ومبدعة في المجتمع.


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات

التنقل السريع